السبت، 16 مايو 2009

الغربة

الغربة – قصة قصيرة


"

ما هذا النور ؟ لا أستطيع أن أفتح عيناي .. لا أستطيع أن أرى شيئا ، و ما هذه الأصوات الغريبة التي أسمعها ، أصوات تتحدث بلغة غريبة لا أفهمها كما أنها أصوات صاخبة و متداخلة ، سأحاول أن أفتح عيناي قليلا ، الأمر صعب جدا فكل حياتي قبل هذا كانت في الظلام ، عيناي لا تستطيعا الاحتمال ، سأحاول مرة أخرى ، لا أرى سوى خيالات .. ما هذا المكان الذي أنا فيه ، و ما الذي أتى بي إلي هنا ، كل ما أتذكره أني كنت نائما في بيتي الذي لا أعرف غيره و فجأة .. لا أتذكر .. لا أتذكر شيئا ، سأحاول أن أفتح عيناي أكثر فلقد بدأتا التعود على النور قليلا .

ما هذا ، أين أنا ، ما هذا الذي أراه ، غرباء يحيطون بي من كل جانب  و كلهم ينظرون إلي ، أشعر بخوف شديد.

-        من أنتم و ما أنتم  ؟

صرخت بأعلى صوتي عليهم و لكن لا أحد يرد و كأنهم لا يفهمونني ، أو يفهمون و لكن لا يعيرونني أي انتباه ، ماذا أفعل الآن ، لا أدري ، لم يسبق لي أن خرجت من بيتي قبل هذا ، كيف أنجو مما أنا فيه ، و الغريب في الأمر أنهم ينظرون إلي جميعهم و على وجوههم تعبيرات واحدة لا أعلم حتى مدلولاتها  أهي كره أم حب أم حزن أم استغراب .. لا أعلم ، و لكنها مشتركة بشكل غريب .

-        ما الذي جاء بي إلي هنا ؟ أريد أن أرجع إلي بيتي .

صرخت مرة أخرى صرخة طويلة حادة لعلهم يخافون مني فيبتعدوا أو يتوقفوا عن النظر إلي ، فالصراخ الآن هو سلاحي الوحيد الذي لا أملك غيره ، و لكنهم لا يعيروا لصراخي عليهم أي انتباه و كأنه شيء اعتيادي ، بل و بدأ أحدهم بوضع يده على جسمي ليتحسسني و كأنه يتحداني.

-        فلترفع يدك عني ، لا تلمسني .

-        أنا أشعر ببرد شديد .

-        أين أنا ؟

تواصل صراخي الهستيري الحاد عليهم ، و لكن الغريب أن التعبيرات على وجوههم لم تتغير بصراخي بل ازدادت عمقا في اتجاهها ، و فجأة انتبهت إلي أن أحدهم بجواري تماما ، التفت إليه فإذا به ينظر إلي هو أيضا و لكن تعبيرات وجهه مختلفة عن الباقيين.

-        من أنت ؟

صرخت عليه و لكن هذه المرة لم تكن صرختي حادة ، لا أعلم لماذا ، أعتقد أن نظراته إلي هي التي أجبرتني على هذا ليس هذا و فقط ، بل و أخذتني تماما حتى أصبحت لا أشعر بوجود الباقيين ، من هذا ، أشعر أني أعرفه ، لا أنا متأكد أني أعرفه جيدا .

-        من أنت ، أنا أعرفك .

صرخت مرة أخرى ، لم يرد علي و لكني أعتقد أنه فهم ماذا أريد أن أقول له ، أفهم هذا من  نظراته إلي ، ماذا يفعل الآن ، إنه يضمني إليه ، ما هذا الإحساس .

-        ضمني أكثر إليك .

صرخت عليه و لكن رجاءا هذه المرة ، فلقد بدأت أشعر أني أرجع إلي بيتي.

"

 

مايو 2009

 

الاثنين، 11 مايو 2009

الصاري

الصاري – قصة قصيرة

"

- أيها الأغبياء ، السفينة ستصطدم بالجبل لا محالة و سنهلك جميعا .

صرخت من أعلى صاري السفينة حيث عملي الذي لا أعرف غيره منذ ولدت .. حتى أني لا أتذكر متى صعدت من سطح السفينة إلي هنا حيث أعمل و أعيش ، و كأني لم أكن موجودا قبل هذا ، و كأني ولدت هنا .

- يا أغبياء يا عديمي الإحساس ، سنهلك .

واصلت صراخي عليهم ، هؤلاء المتخلفون الذين يعملون بالأسفل ، لماذا لا يسمعونني ! ، لماذا ينظرون إلي بهذه البلادة عندما أصرخ فيهم ! ، كأنهم لا يصدقونني ، ماذا أفعل ، السفينة تقترب من جبل ضخم و إن لم يفعلوا شيئا في الحال سنهلك بالفعل ، و لكن كيف لا يصدقونني ، فالجبل اقترب لدرجة أنه أصبح في مرمى نظرهم هم أيضا ، كيف لا يرونه ! ، لا أعلم شيئا ، لقد أصبحت مشوش تماما ، إني أصرخ عليهم منذ فترة طويلة و لا يفعلون شيئا و الآن أصبح الجبل هو أيضا و كأنه يصرخ عليهم ليتفادوه ، فإذا كانوا لا يصدقونني أفلا يصدقون الجبل .

- يا متخلفين ، إن القبطان يقودوكم إلي الهلاك ، فلتفعلوا شيئا .

ما هذا ! ، أيعقل أن يكون في إحدى نزواته المجنونة أفقدهم جميعا السمع ، و لكن حتى لو أفقدهم السمع ألا يرون الجبل يقترب ، كما أنهم يسمعونني عندما أصرخ فيهم و لكنهم ينظرون إلي نظرات كلها بلادة و لا مبالاة ، إذن فهو المخدر ، آه لو أستطيع النزول إليهم و لكني لو تركت مكاني فمن سيتابع مسار السفينة .

- استيقظوا يا أغب...

لا لن أصرخ فيهم ، إنهم مخدرون ، و أنا أعلم هذا تماما ، بل و كنت شاهدا على القبطان و هو يضع لهم المخدر في الطعام حتى يصبحوا تابعين أذلاء و تصبح له سيطرة كاملة عليهم ، كيف تركته يفعل بهم هذا ، لم أدرك وقتها أنه سيأتي الوقت الذي يتحتم فيه أن يكونوا في كامل وعيهم و إدراكهم ، لقد كنت شريكا للقبطان في كل هذا ، فمن هنا أستطيع رؤية كل شيء بالأسفل ، لماذا تركته يفعل بهم هذا .

- ألا ترون هذا الجبل ؟

مرة أخرى صرخت فيهم ، و لكن هذه المرة صرخت بمرارة مذنب شارك في هذه المأساة لقد انشغلت بجمال البحر أمامي و بالأفق الوسع و ألوان السماء المبهرة و تركتهم وحدهم في مواجهة ما يحاك لهم ، كيف تخيلت أن وظيفتي فقط كانت في متابعة مسار السفينة ، كيف أكفر عن ذنبي ، كيف أنقذهم و أنقذ السفينة الآن ، لابد أن يفيقوا من أثر هذا المخدر ، و لكن كيف هذا .

- يا رجاله ، سأغني لكم لأعينكم على أعمالكم كما يفعل البناءون في أعمالهم ، فلتعطوني آذانكم لتستمتعوا بغنائي .

إنهم يتطلعون إلي الآن ، أعتقد أنهم لا يفهمون ماذا أفعل، حتى القبطان ينظر إلي باستخفاف ، و لكني نعم سأقوم بالغناء ، سأحكي لهم عن الأرض التي ستصل لها السفينة عندما نعبر هذا الجبل بسلام ، سأمنحهم الأمل بأنهم يستطيعون تفادي الاصطدام بهذا الجبل ، سأمنحهم أحلام و سأمنحهم المستقبل في هذه الأحلام ، فقد يتخلصوا بهذا من أثر المخدر ..

سأبدأ الآن و فورا فالجبل اقترب للغاية ..

"

مايو 2009